كان الأمر خاصًّا بمياه العرب فهم قادرون على حمايته في دائرتها، وهم على أكمل استعداد لإيوائه في ديارهم، وحمايته، ونصرته على من يعاونه من العرب كافة، قريش فمن سواها!
٤٥ - قوّة الإيمان:
وهنا موقف للنبوّة، يمثل عظمتها، ويصوّر قوّة إيمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - برسالته، التي لا تتوقّف عند حدّ أمّة من الأمم، أو شعب من الشعوب، أو جنس من الأجناس، أو طائفة من البشر، أو نظام من النظم الاجتماعيّة في أي شكل من شكول الحكم، فذلك كله يجب أن يدخل في دائرة رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فيجب أن تكون في سيرها منطلقة في وجوه الأرض تنشر دعوتها مهما كانت العقبات التي تواجهها في طريقها، ومهما تكن قوّة العتوّ والجبروت التي تحاول تعويقها عن أهدافها!
ولهذا لما بيّن المثنى بن حارثة صاحب حرب شيبان أنه لا سبيل إلى القدرة على اقتحام أنهار كسرى، وحماية من يتخطّاها بأيّة دعوة -ولا سيما إذا كانت دعوة يكرهها الملوك، وفي طليعتهم الأكاسرة كدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن حماية شيبان إذا رأوه في ديارهم تكون حماية جزئيّة خاصة بمياه العرب- تجلّت عظمة النبوّة، وتعاظم جلال الرسالة، وترجم إيمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - برسالة نفسه عن قوّته ونفاذ عزيمته، وهذا الإيمان هو المعجزة العملية الخالدة لتبليغ الرسالة بلاغاً كاملاً واضحاً، والسير بها إلى غايتها، لتخرج الناس من ظلمات الجهالة والاستعباد إلى نور العلم وحريّة العقيدة والعمل في الحياة، وقد كان بيان المثنى صريحاً متعقلاً، مقدّراً للموقف من وجهة نظرهم، فكان صورة صادقة في