صورته المعبّرة عن صدق القصد، بأنه وقومه لا يستطيعون إيواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحمايته ونصرته على كسرى، وهو -كما يعلمون- في قوّته الحربيّة الهائلة، لكنهم قادرون على حمايته ونصرته مما يلي مياه العرب، وهذه حماية جزئيّة لا سلطان لها إلا على أضعف جوانب الحماية والنصرة، ودعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته دين الله الذي يعمّ أقطار الأرض في شرقها وغربها، ويعمّ جميع الأمم والشعوب والأجناس البشريّة، وممالكهم ودولهم، ويعمّ مقاومة القوى التي تقف في سبيل نشر الدعوة، مهما كانت، وكيفما كانت، ولا يمكن أن تتحقق نصرة دين الله وهو بهذا العموم إلا بحياطة عامّة شاملة. لا تهاب أعظم القوى، ولا ترهب سلطاناً لأحد في الأرض غير سلطان الله تعالى!
ولهذا جاء ردّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المثنى رداً جميلاً حازماً، مقدّراً للقوم صدق صراحتهم، وهم يعلمون موقفه في وحدته، والتماس الإيواء والنصرة أينما وجد لها سبيلاً، فقد حدّد - صلى الله عليه وسلم - في ردّه مهمة من ينبري لنصرة دين الله، وأنها يجب أن تكون عامةً شاملةً قويّةً قاهرةً، لا تهاب قوةً من قوى الأرض والبشر! فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قدّر للقوم إحسانهم في أسلوب حوارهم معه، وردّهم عليه، وبيّن لهم أن جهدهم الجزئي في نصرة دين الله تعالى لن ينصره في دعوته وتبليغ رسالته؛ لأن دين الله في عمومه وخلوده وقوة سلطانه، وما جاء به من توحيد الله تعالى، وإخلاص العبوديّة له، وطرح عباده المخلوقين كيفما كانوا، لن ينصره نصراً يحقق له أهدافه إلا من حاطه من جميع جوانبه، لا يترك منه جانباً مكشوفاً، ولا ثغرةً مهدرة، لا تحرسها قوة قادرة، تملك الدفاع عنها وتردّ اعتداء من يحاول اقتحامها مهما كانت قوته وسلطانه!