الباهرة، يتابع سيره في نشر دعوته، وتبليغ رسالته إلى الناس في محافلهم ومجتمعاتهم ومواسمهم وأسواقهم، يعرضها على كل شريف قوم يُذكر له، لا يناله من الأذى ما يصدّه عن قصده وغايته، تهيّباً لعمه وناصره أبي طالب، السيّد المطاع في قومه، القويّ في حميّته وحمايته، الشجاع في غضباته، الجسور في مواقفه!
وصيّة أبي طالب لقومه:
وقد ظلَّ أبو طالب على حدبه وحرصه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر لحظة من حياته، بل أراد أن يبقى أثر ذلك بعد وفاته ..
قال السهيلي (١): وحُكي عن هشام بن السائب أو ابنه أنه قال: لمَّا حضرت الوفاة أبا طالب جمع إِليه وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، فيكم السيّد المطاع، وفيكم المقدّم الشجاع، والواسع الباِع، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إِلَّا أحرزتموه، ولا شرفاً إِلاّ أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة. ولهم به إِليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلى حربكم أَلْب، وإِنّي أوصيكم بتعظيم هذه الْبنِيّة، فإِن فيها مرضاة للربّ، وقواماً للمعاش، وثباتاً للوطاة، صِلُوا أرحامكم ولا تقطعوها، فإِن في علة الرحم منسأة في الأجل، وسعة في العدد، واتركوا البغي والعقوق، ففيهما مهلكة القرون قبلكم، أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل، فإِن فيهما شرف الحياة والمات، عليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، فإِن فيهما محبّة في الخاص ومكرمة