للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تؤمن إلا وهي مشركة، ولا نعقل إلا وهي آفنة، ولا تتصرّف إلا وهي مأفونة مخذولة! وأين شجاعة عاقل قريش عتبة بن ربيعة التي كانت تحلّيه، وفي ظلها اختارته قريش ليسفر بينها وبين محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ليخلصها من أزماتها؟ تلك الشجاعة التي تبددّت هباء في أعاصير الجبن والهلع، عندما لقيه لعين الرجوليّة أبو جهل، وهو يجبهه ويسخر منه ويهزأ به، حتى استنزله من أفق تعقله إلى مهاوي العصبيّة الجهول، والعناد الكفور!

لقد عبّر عتبة لقومه حين سألوه عن سفارته إلى محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وقد سمع منه ما سمع من آيات القرآن الحكيم تعبيراً أزكم أنوفهم، حتى قال لهم في الرواية التي معنا صادقاً غير مصدّق: (هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم).

[١٩ - طمأنينة قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -]

وتطالعنا صورة من وقع الإنذار من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قلب رجل لم يؤمن! ونبصر أدب النفس الكبيرة (١)، وطمأنينة القلب المؤمن، وهو يستمع من عتبة إلى هذه الخواطر الصغيرة التي يعرضها عليه، وقلبه مشغول بما هو أعظم. حتى لتبدو هذه الخواطر مقزّزة تثير الاشمئزاز .. ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتلقّاها حليماً، ويستمع كريماً، مطمئناً هادئاً ودوداً، لا يعجل عتبة عن استكمال هذه الخواطر الصغيرة، حتى إذا انتهى قال في هدوء وثبات وسماحة: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟ " فيقول أبو الوليد: نعم! فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"فاسمع مني". ولا يفاجئه بالقول حتى يقول: أفعل!


(١) في ظلال القرآن: ٥: ٣١١٧ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>