ثم قال الآلوسي: وفي شرح الجوهرة الأوسط، أن حديث الغرانيق ظاهره مخالف للقواطع، قال الآلوسي: وأقبح الأقوال التي رأيناها في هذا الباب، وأظهرها فساداً أنه - صلى الله عليه وسلم - أدخل تلك الكلمة من تلقاء نفسه، حرصاً على إيمان قومه، ثم رجع عنها، ويجب على قائل ذلك التوبة: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥)} (الكهف)! وأنت تعلم أن تفسير الآية، أعني قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}(الحج: ٥٢) إلخ! لا يتوقف على ثبوت أصل هذه القصة!
قال شيخنا عرجون رحمه الله: وإنما أطلنا رشاء القول في البحث مع الشيخين الإمامين: ابن تيمية، وابن حجر، لمكانهما من العلم والمعرفة، ولما لهما من التوقير والتقدير بين رعيل الأئمة الأعلام، دفعاً للخشية على قلوب كثير من المؤمنين خاصّةً وعامّةً أن يخونها الاعتقاد في مكانة الشيخين، فتذهب بها إلى هاوية من الحيرة والشكّ فيما تقتضيه هذه الأقصوصة الغرنوقيّة من مخاطر ومخاطر على العقيدة التوحيديّة، وأصول الإيمان، ومعرفة قدر القرآن العظيم، وتقدير النبي - صلى الله عليه وسلم - في قداسة نبوّته ورسالته، وفتح باب التقوّل على الله وعلى كتابه ورسوله عند أعداء الإِسلام، ولأن نغلط بعض الرواة أو نزيّف رأي بعض أصحاب الشهرة الداوية التي تحمل فوق هاماتها هالات التقديس الذي لا يقبل النقد والمناقشة عند مقلّديهم -وذلك وفق قواعد التحديث، رواية ودراية ورد الشيهات ودحض المفتريات- خير ألف مرّة من تسليم ما ينسب إليهم في هذه الأقصوصة الخبيثة الباطلة التي تعصف بالإيمان عصفاً يلقيه في مهابّ الشكوك والحيرات!
فكل أحد سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجوز في حقه الوهم والخطأ والنسيان، وقد