صدقهم، وفي تعقلهم، وتأتيهم للأمور من مداخلها في ريث وأناة، فقال - صلى الله عليه وسلم - وهو يشدّ على أيدي صاحبيه: الصدّيق أبي بكر، وعلي بن أبي طالب: أيّة أخلاق كانت للعرب في الجاهلية؟ ما أشرفها .. بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم"!
[٤٧ - درس للدعاة]
هذا لون من الأحداث التي عرضت للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يعرض نفسه على الناس في منازلهم، يدعوهم إلى توحيد الله، ويبلّغهم رسالة الله، وقد اخترنا ونختار منها ما كان له أثر قويّ في دفع سير الرسالة إلى أهدافها أو كان له أثر في بيان صور الكفاح الصبور، الذي درج عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أطوار دعوته، ليكون من ذلك نماذج لورثة تبليغ الدعوة من بعده - صلى الله عليه وسلم -، يحتذونها، ومُثُلاً يتقلّدونها، أداء لما قلّدوه من وجوب القيام بنشر دين الله في أرجاء العالم!
وسبق أن عرفنا في تلك الساعات الأولى التي أشرقت فيها شمس الرسالة، قول ورقة: (يا ليتني فيها جذعاً، ليتني كون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو مخرجيّ هم؟! " قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت بها إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزَّراً ...).
ونتصوَّر مرّة بعد مرّة صور الإيذاء والتعذيب، والسخرية والاستهزاء -كما سبق- مما يعجز الخيال الشاخص عن تصوّره، تتوالى وتتواكب، تهزّ النفوس هزًّا، ولا يتلقّى الحس ذلك إلا بهول وروع!