تلك هي آيات الكتاب المبين، القرآن العظيم، الجامع لمنازل الخير وجوامع الهُدى والنّور، الذي تحدّى بذاته وإعجازه كل عَيْلم عليم، وكل عقل محكم حكيم، وكل فكر غوّاص عميق، بما جاءت به آياته من حقائق ومعان هادية، ومقاصد مستهدفة للحق، كما تحدّى كل فصيح بليغ، وكل ذي بيان وبراعة في روعة الإحسان، بأسلوبه ونظمه وجزالة ألفاظه، ونصاعة جمله وكلماته، ونسق آياته، فكان آية الصدق على دعوى الرسالة الخالدة، بما فيه من ألوان الهداية، فهو معجزتها الكبرى، وآيتها العظمى التي كانت به خاتمة الرسالات الإلهيّة، فلا رسالة لله تعالى إلى الخلق بعدها، ولا كتاب ينزل بعد كتابها من السماء، وقد صبّ الله تعالى فيض إحسانه في آيات كتابها، خالدةً لا تنتهي وباقيةً لا تنفد!
ومن هنا كانت فيوضات الله لا تنقطع، ولكنها مستمرّة سرمديّة عن طريق آياتها في كتابها الحكيم المحكم، فالنظر فيه، وتدبّر حقائقه ومعانيه، ومعرفة هدايته، والغوص في حكَمه هي طريق الإيمان، وهذه سبيل ممهّدة للعقل، وطريق موطأة للفكر، يَهتدي بها السالكون إلى مشارع الإيمان، وهي عامرة بالسائرين فيها الذين أقيمت لهم منائر الحق، ونصبت لهم معالم الهداية، وأنيرت لهم آفاقها، ليهتدوا بها في دياجير أوهام العلم التجريبيّ وتخيّلاته وتخرّصاته وظنونه إلى نور الحقّ واليقين!
لا تتوقّف مسيرته، ولا تخدو عن الراغبين مشارعه، فهو داعٍ مستجاب، وهادٍ خِرِّيت لا يضلّ الطريق أبداً، ومرشد لا يملّ ولا يعيا،