ثم ما هذه الحياة؟ وما هذا الوجود؟ وما مبدؤه؟ وما غايته؟ وهل فوقه قوة تدبّره؟ وإرادة قاهرة تحركه؟ وما حقيقة تلك القوة المدبرة الحكيمة، وأنى لنا بمعرفتها وأسلوب حكمتها وتدبيرها؟
كل هذه أسئلة لا بد أن تمر على خاطر من يقيم في بيئة مثل البيئة التي كانت مهداً للرسول - صلى الله عليه وسلم - في بادية بني سعد بن بكر .. ولابد أن تنفعل لها الخواطر التي تمر بها، وتتأثر بها الفطر المصقولة التي جعل الله لها قابليّة الانطباع لما يمرّ عليها!
أما النفوس الصدئة والفطر الكثيفة فليس لها من ذلك الانفعال شيء، فكم من نفوس شهدت جلال الصحراء وجمالها كما شهدها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في طفولته، ولكن قليل جدًّا هم الذين تأثروا بذلك الجلال الوجودي والكمال الكوني، وانفعلت له فطرهم كما تأثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو طفل لم يجاوز الخامسة من عمره، وحتى هذا القليل لم يكتب له طرف مما كتب التاريخ من تسبيحات الفكر في محاريب الوجود، بل ضلوا وضل ذكرهم في متاهات الصحراء، وبقي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده على ربوة الوجود يجاذبه هذا الجلال ترانيم التقديس في صور من التأملات والتفكير!
[حياة الصحراء]
رجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بادية بني سعد إلى مكة، بعد أن بلغ من عمره سنوات هي سن تبلغ فيها النفس أول مراحل النشاط والقوة والتطلع إلى معرفة كل مجهول!