والعادات، وكيف تقيّده الأسباب والسنن وهو خالقها ومبدعها، فقدرته تعالى على إبراز الأحداث من الغيب إلى الوجود العيني لا تتقيد بأسباب جرت بها السنن العامة في نظام الكون؛ لأن وراء هذه الأسباب والسنن العامة أسباباً وسنناً خاصة، يفعل بها ما يشاء كما يشاء، متى شاء، ولذلك زاد نبيّه زكريا تلطّفاً في جذبه إلى حظيرة الإطلاق، عندما سجّل القرآن الكريم قصّته أيضاً في قوله: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)} (مريم)!
فنبّهه إلى ما هو أعظم من الجاد الولد منه ومن زوجه، وهما على حالهما من البعد عن الإنجاب، فقال له عقب هذه الآية مباشرة: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)} (مريم)!
[مريم وعيسى]
وفي قصة مريم -عليها السلام- حينما بُشِّرت بالولد من غير أب، عجبت من أمر نفسها أن تأتي بولد وليس لها زوج، يكون منه الولد، في مجرى العادة، ومتعارف العقول، وعبّرت عن عجبها بما حكى القرآن عنها:
فنبّهها الله تعالى إلى مطالع جلاله، وعظيم قدرته، حتى لا تقف مع الأسباب والسنن العامة، ومتعارف العقول، ومجريات العادة، فقال لها في نفس الآية:{قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}!
أي أن شأن الله تعالى ألا تتقيّد قدرته في إيجاد ما يشاء بما تعرفه العقول، وتعهده العادات من أسباب، وإنما مرد أمره في الخلق والإبداع إلى قضائه، فإذا