للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفما كان هذا العدد الكثير بمستطيع أن يتجمع أفراده، ويقفوا في وجه العدوان عليهم، ويردّوه عنهم بقوّة القتال خفيةً وعلانية؟

نعم، إنهم بالقياس إلى أعدائهم قلة عدديّة، وكان أقوامهم وعشائرهم يأخذونهم فرادى، يعذّب كل قوم من يسلم منهم، لكن هؤلاء المؤمنين كانوا مستطيعين -لو أرادوا- أن يكيدوا لأعدائهم، ويجمعوا أمرهم، للدفاع عن أنفسهم، ويغتالوا الكثير من رؤوسهم، ولو واجههم أعداؤهم في قتال لنالوا منهم، وساجلوهم، وانتصفوا، وفي الوقائع الجزئية ما يؤيّد ذلك، وقد أشرنا إلى قصة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، وذكرنا غيرها من الحوادث التي استبسل فيها المؤمنون دفاعاً عن أنفسهم!

[حكمة سياسة الاستسرار]

وهذا كله يؤيد أن سياسة الحكمة التي سلكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوفيق الله في استسراره بالدعوة، وهي مشرقة في أفق الحياة، كانت سياسة حكيمة محكمة، أثمرت ثمراتها في تجميع قوّة من المؤمنين الراسخين في إيمانهم، الصادقين في يقينهم، الذين تولاّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوّل ما تولّى بالتربية والتوجيه، حتى فشا الإِسلام في مكّة، وتسامع به الناس في أنديتهم ومحافلهم، وبدأت قريش -وهي سيّدة مكّة- تحس بخطر هذه القوّة يدخل عليها في بيوتها، ويجتذب منها شبابها، ويأخذ بحلاقيمها، فشنت على المؤمنين حرباً خسيسةً، لا مواجهة فيها!

ووقف المؤمنون من هذه الحرب الفاجرة موقف الصبر والاحتمال، بل موقف الصفح والعفو والإجمال، مما أدّى أو كاد يؤدي إلى تجميد حركة الدعوة وإبلاغ الرسالة!

<<  <  ج: ص:  >  >>