ورابع ما يطالعنا: التكامل المحمدي، وذلك أن الظاهرة الاجتماعيّة التي كانت تسم البيئة العربيّة بميسمها (١)، وتعنون الحياة فيها بعنوانها، شظف العيش، وخلو اليد من حطام الدنيا، فقد ولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -كما أسلفنا- يتيماً، راعياً للغنم، عاملاً، ولهذا أثره العميق في تمحيص خصيصة الإنسانيّة العليا في الأفراد الذين تلزمهم أيام شبابهم، وهي أيام اجتماع قوى الاندفاع، وعناصر الهوى النفسي، ونزغات المراهقات، ومنافذ الغرائز الماديّة النهمة، ومسارب استطالة الشباب وطموحه .. وهو تمحيص سياق أشد المشقة، ولا تبصر له إلا نفس قوية التركيب البنائي في تكوينها، ومن ثم كانت مثله التاريخية آحادًا من الأفذاذ في القرون والحقب .. ومن عجائبه أنه يتجاوب في يسر مع النزعات الدينيّة الداعية إلى الإيمان بالغيب، فتكثر نسبيًّا أمثلته من النماذج الحيّة في أوقات تسود فيها الروحانيّة .. فإذا عاشت شخصيّة الممحّص، وخرجت منه كما خرج محمد - صلى الله عليه وسلم - في شبابه، أكمل الناس إنسانيّة، وأعظمهم خلقاً، وأضخمهم أمانة، وأبعدهم عما يشين مروءة الرجال، حتى ما يستطيع عدو بَلْه ولياً أن يقول فيه، لو، ولا، وليت، ومن ثم كانت شخصيّة محمد خاتم النبيّن - صلى الله عليه وسلم - هي النموذج الأعلى لكمال خصيصة الإنسانيّة العليا في فرد من بني الإنسان!
[تكافؤ الخلق]
وهنا نبصر ظاهرة التكافؤ الخلقي في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونعني بالتكافؤ
(١) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ٢٠٩ وما بعدها بتصرف.