للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونبصر بياناً من الله تعالى يعلن على مسامع الدنيا أن هؤلاء الأخباث من طغاة الماديّة الوثنيّة قد طبع الله على قلوبهم، فلن يهتدوا أبداً، وختم على سمعهم فلن يسمعوا سماع هداية وإرشاد أبداً، وطمس على أبصارهم فلن يبصروا دلائل عظمة الله ووحدانيّته قائمةَ في مظاهر الطبيعة وآياته الكونيّة، وهي تنادي بلسان حالها قويّةَ قاهرةً، فهم عمي، بكمٌ، صمُّ، لا يرجعون عن غيّهم، وعتوّ كفرهم .. وقد أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض عنهم، وأن يتركهم إلى ما أقاموا أنفسهم له، وما وقفوا حياتهم عليه من العكوف على إرادة الدنيا وحطامها لا يريدون غيرها، فهم لا يرغبون في هدى، ولا يريدون حقاً، ولا يرضون أن يسود حياة الناس عدل ولا أن تتداركها رحمة؛ لأن الدنيا وجمعها كانت مبلغ علمهم بالحياة، ومنتهى غايتهم منها، فهم في جهالة جاهلة، ووثنيّة بليدة، وماديّة مظلمة، فقال الله عزّ شأنه لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠)} (النجم)، قيل: نزلت في النضر بن الحارث، شيطان الأساطير والخرافات، والوليد بن المغيرة، طاغية السحر المأثور (١)، وهي من باب النماذج الممثلة لصور الشرّ والفساد المركوز في بعض الطبائع البشريّة!

[٣٩ - توجيه إلهي]

وكان هذا توجيهاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الانتقال بدعوته، وتبليغ رسالته، بعيداً عن عنجهيّة غطارفة قريش، وهم غارقون في وثنيّتهم الفاجرة التي


(١) انظر: تفسير القرطبي: ١٧: ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>