وقد امتدح محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بعد بعثته رسولًا إلى العالمين هذا الحلف، وأخبر أنه حضره في دور إنشائه، وشارك فيه قبل نبوّته وسبق أن ذكرنا ما رواه أحمد وغيره -كما أسلفنا- بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"شهدت حلف المطيَّبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحبّ أن لي حُمرَ النّعم، وإِنِّي أنكثُه"!
[١٤ - أداء الأمانة]
والأمانة أجمع مكرمة لمكارم الأخلاق، ولن يكون أمينًا قط من يفقد في أخلاقه مكرمةً من المكارم، فالأمين هو ذو الخلُق العظيم، الجامع لأشتات الفضائل، والأمن هو الكامل في استقامته مع نفسه، ومع جميع الخلق، تجمع القلوب على محبّته، ويثق به من يعرفه ومن يسمع عنه، من شهده ومن غاب عنه، وهذه الثقة تظهره على أسرار الناس، فيعرفها كما يعرف علانيتهم، لا تخفى عليه منهم خافية، يحفظهم في غيبهم كحفظه لهم في شهودهم، يأنسون به، ويركنون إليه في أعمالهم ومصالحهم، ويأمنونه على أعزّ ما عندهم من ودائعهم المادية والقلبيّة، تهجس في خواطرهم الفكرة تريد متنفّسًا بالكلمة، فيخافونها إلا إذا كانت همسًا للأمين، فإن رأى خيرًا أعان عليه، وإن رأى شرا نصح وحذّر!
وقد كان خُلُق أداء الأمانة خُلُقًا أثيرًا في مكارمه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعرف لقب الأمين على إطلاقه -كما عرفنا- إلا له - صلى الله عليه وسلم -!
وهل يوجد في تاريخ البشريّة أقوى دلالة على تميّزه - صلى الله عليه وسلم - بأداء الأمانة من إجماع بطون قريش على الرضا بحكمه وهم يبنون الكعبة المشرّفة أعزّ مفاخرهم