للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتمله عند الفرق الأربع المذكورة في الآيات، وهم الذين في قلوبهم مرض، والقاسية قلوبهم، والذين أوتو العلم، والذين آمنوا، فهذا ممنوع لدلالة قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (الحج: ٥٤)! على انتفاء الاحتمالين عند فريقين من الفرق الأربع بعد النسخ والإحكام!

وإن أراد البيضاوي أنه يحتمله في الجملة، أي عند بعض دون بعض، فهو مسلّم، وغير مضرّ، لعدم إخلاله بالوثوق بالقرآن عند الذين أوتوا العلم، والذين آمنوا، وأمّا إخلاله بالنسبة إلى الفريقين الآخرين فهو مراد الله عَزَّ وَجَلَّ!

قلنا: هذا الترديد فاسد؛ لأن قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} إلخ محتمل أن يكون من إلقاء الشيطان؛ لأن جواز التلبيس والاشتباه رفع الثقة إطلاقاً، وليس لنصّ دون نصّ، فكل ما يدّعى قرآنيّته فالاحتمال قائم فيه، فلا ثقة عند أيّة فرقة من الفرق المذكورة في الآية؛ لأن ثقة الذين أوتوا العلم، والذين آمنوا، متابعة لوثوق متبوعهم، وهو في -زعم الغرنوقيّين- ملبّس عليه في الْمُلْقِي والْمُلْقَى، فهو لا جزم عنده إلى أن يبين له بوحي جديد، وهو أيضاً موضع احتمال، وهكذا تصبح -الرسالة والوحي والنبيّ والقرآن- في زعم الغرنوقيّين- معبثة وشكوكاً!

قال العلاّمة الآلوسي: إنه إذا فتح باب التلبيس لا يوثق بالوثوق في شيء أصلاً، لجواز أن يكون كل وثوق ناشئاً عن تلبيس، كالوثوق بأن (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى)، قرآن، فلما تطرّق الاحتمال إلى الوثوق جاز أن يتطرّق إلى الرجوع عنه، ولا يظهر فرق بينهما، فلا يعوّل حينئذ على جزم، ولا على رجوع!

<<  <  ج: ص:  >  >>