ومضَى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قُدماً معلناً عن دعوته بكل ما يملك من وسيلة يعرفها الإعلان والجهر في مجتمعه وبيئته وبلده وقومه (١) .. يناديهم وجه النهار من فوق الجبال -كما أسلفنا-: "إِنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد"!
وقد كان للرسول - صلى الله عليه وسلم - في حدب عمه عليه، وقيامه معه، ودفاعه عنه، وحمايته له، ومنعته أن يؤذى عزاء وقوة!
وهنا نبصر عزيمة النبوّة تأبى إلا أن تقول لحياة الظلام: لا .. ولابدّ لهذا الظلام أن يتبدّد، وأن يملأ نورُ الله آفاق الحياة، فيضيء السهل والجبل، ويغمر الأودية والشواهق، ويدخل البيوت، وشري في الطرقات، ويتولّج في حنايا النفوس، وزوايا الضمائر، ويدلف إلى القلوب والعقول، ويوقظ الحياة من سباتها، ويصبح الكون كما أراده الله مسخّراً للإنسان يستخرج آياته، ويكشف أغطية الجهل وظلمات الوثنيّات عن أسراره!
ويعرف الإنسان حقيقة دوره في هذه الحياة، ويعرف ربّه حق معرفته، ويكفر بالطاغوت، ويؤمن بالحق والعدل، ليصحّح وجوده ووجود الحياة كلها، لتخوض بحار العلم والمعرفة، وتسيح في محيطاتها، وتطير في أجوازها بأجنحة من فيض الله وأمره!
هذا الإيمان الذي نبصره في عزيمة النبوّة، قد امتزج بروح محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ومشاعره وإحساساته، لم تعرف الحياة له نظيراً في قوّته وسطوته، وعلوّ جهرته!
(١) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ١٦٩ وما بعدها بتصرف.