والرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ بلغ سنّ الرجوليّة كانت بشائر الغيب، وإرهاصات النبوّة تتوالى عليه، قبل أن يُنبّأ، وكانت خديجة - رضي الله عنها - على علم بالكثير من ذلك!
ثم نبّئ - صلى الله عليه وسلم - بوحي الرؤيا الصالحة الصادقة يراها، فتجيء مثل فلق الصبح جلاءً ووضوحًا وإشراقًا .. وتتابع الوحي عليه في مراتبه، ولم يكن يبدو عليه من مشقّة الإجهاد، وتأثّر بشريّته مثل ما بدا عليه، ومن ثم جاءها يرجف فؤاده!
وكانت آمال أمّ المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - منذ صارت زوجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعظم من أن تقف عند وحي النبوّة، بل كانت مشاعرها تحلّق حوله في آفاق تطلّعاتها إلى تجلّيات الملأ الأعلى له - صلى الله عليه وسلم - في لقاء المواجهة ووحي اليقظة!
وها هو - صلى الله عليه وسلم - يبعث رحمةً للعالمين، فيجيئه الحق، ويفجؤه الملك رسولًا إليه من ربّه، مستعلنًا في يقظته، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - مستغرق في سبحات تفكيره، وحيد في خلوته، لا يتوقّع مما وقع له شيئًا!
١٦ - العلم سرّ الرسالة:
وسرّ رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسطور في لوح الوجود -كما أسلفنا- هو العلم بأوسع وأعمق ما يتصوّر العلماء والمفكّرون من أيّ أنحاء الحياة، ومن أيّ جوانب الكون، وعلى أيّ نهج في التفكير!
ومن هنا قال جبريل -عليه السلام- بعد ما أنهى ما أُرسل به إليه في أوّل لقاء المواجهة بوحي اليقظة من إعداده روحانيًّا للنفوذ من حجب الغيب إلى الحقائق العليا، مسطورة في صحف الوجود:{اقْرَأْ}!