للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المعْلَم الخامس:

وهو بعد ذلك الذي تقدّم من أوصاف السوء والقبائح (زَنِيمٍ) أي مشهر بلؤم الطبع، ودناءة النفس، وسوء الخلق، يتحامى الناس القرب منه اتقاء بغيه وعدوانه وبذائه، وهذا الوصف القبيح الذي أربى في فحشه على فحش ما سبقه من نعوت الخبث والشرّ، يجعل المتصف به يستشعر المهانة في نفسه، فيتكلف التعاظم الكذوب ليداري سوآته، ويشمخ مستكبراً ليخفي مهانته، ويسرع إلى الظلم يرتكبه، وإلى الطغيان يدّرعه ليغطي حقارته وضآلة شخصيّته، فالزنيم هو الشرّير الظلوم عظيم الشرّ الجفور، الذي يأكل فلا يشبع، ويمنع الخير أن يصل إلى غيره، ولو كان آتياً من غيره، يمنع غيره أن يصل في سعيه إلى خير!

وهذان الوصفان {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣)} متلازمان في وجودهما، فالزنيم عتلّ، والعتلّ زنيم، وهما جماع الرذائل والقبائح، وهنا نذكر ما رواه الشيخان عن حارثة بن وهب الخزاعي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ " "كل ضعيف، لو أقسم على الله لأبرَّه، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ" (١).

قال القرطبي: (٢) هذا التفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - في العتلّ قد أربى على أقوال


(١) البخاري: ٧٨ - الأدب (٦٠٧١)، وانظر (٦٦٥٧)، ومسلم (٢٨٥٣)، وأحمد: ٤: ٣٠٦، وابن أبي شيبة: ٨: ٥١٦، وأبو داود (٤٨٠١)، والترمذي (٢٦٠٥)، وابن ماجه (٤١١٦)، والبغوي: شرح السنة؛ (٣٥٩٣)، والطيالسي (١٢٣٨)، والبيهقي: ١٠: ١٩٤، والشعب (٨١٧٣، ١٨٧٤، ١٠٤٨٤)، والطبراني: الكبير (٣٢٣٦) من طريق الأعمش، (٣٢٥٧) من طريق مسعر، كلاهما عن معبد، والنسائي: الكبرى (١١٦١٥)، والتفسير (٦٣٥)، وأبو يعلى (١٤٧٧)، وابن حبان (٥٦٧٩)، والمزّي: تهذيب الكمال: ٢٨: ٢٣٣.
(٢) تفسير القرطبي: ١٨: ٢٣٤ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>