نفسي يذكره عندما يلاقي الشدائد في الدعوة إلى الحق، ومناوأة الباطل، وتكاتف المشركين عليه، وتعرضه للأذى، والتجائه إلى الله!
[أم أيمن]
وإن الذي حمله، وحل محل أمه في حضانته أم أيمن، وإذا كانت لم تعطه حنان الأم، وعزة العطف، فقد كلأته وحمته!
وإن ارتباط حياته الطاهرة بأم أيمن تزويد من الله تعالى به بزاد إنساني، ليشعره بأن الناس كلهم لآدم، وأن كل الفضل فيمن يُحسن في عمله، لا فيمن يفاخر بنسبه وكفى، وإنها لحكمة عالية أن تكون الحاضنة التي لا يستغني عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - حبشيّة؛ لأنه تربية ربانيّة على المساواة الإنسانيّة، وأنه لا شرف إلا بالعمل والعاطفة، لذلك لم يكن غريباً أن تعطيه حب الأمومة، وإن كان دون حب أمّه آمنة، وأن تصل به إلى جده محوطاً بعناية الله ثم بعطفها!
وهكذا كان قدر الله رصداً لوفاة عبد الله قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -!
ووفاة آمنة وهي في طريق عودتها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من تلك الزيارة إلى (مكة) البلد الحرام!
وهكذا كان الرسول يتيم الأبوين، ليستخلصه الله بالتربية، ويصطنعه بالتأديب، حتى تكون نشأته ربانيّة خالصة، ويكون تأديبه إلهيًّا خالصاً، فتتم له النعمة، وتعظم من الله عليه المنّة!
وأي يتم أبلغ في النفس أثراً وأعمق في القلب ألماً من يتم يتلاحق فيه الأبوان قبل أن تشتد لصروف الحياة قناة اليد؟!