ولمَّا كانت عناية القرآن دائماً بالجوهر والمخبر أشدّ منها بالصورة والمظهر، كان الهدف الأوّل الذي تتجه إليه الوصيّة ها هنا، هو الجانب الروحي الخُلُقي، جانب السيرة والسريرة!
وهذا هو ما فهمه الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين!
وإنه لطهر شامل للمظهر والمخبر معاً!
ترى، أما آن لنا أن نقبس من هذا الطهر ما يضيء أمامنا معالم الطريق؟!
[بين البخل والسرف]
والشأن في المسلم أن يوقن أن حصر همّه في جمع المال وتعديده يشقيه تَعَباً ويعييه، وأنه لا محالة مفارقه يوماً ما تركةً، ليستمتع به من لم يكن يهمه ولا يعنيه، وأنه سيلاقيه أخيراً، لا ملكاً ولا انتفاعاً، ولكن عذاباً واصباً في الآخرة، فوق ما كان هماً ناصباً في هذه الدنيا!
ومن ثم ينفعه إيمانه، ويتبدّل حرصه الشديد على المال إنفاقاً في سبيل الله، وزهداً في متاع الحياة، وتتحوّل عبوديّته له سيادة وسلطاناً عليه، وتنفرج أنامله المعقودة، وتنبسط كفّه المقبوضة، ويصبح شعاره: أنفق .. أنفق .. بعد أن كان مثله: أمسك .. أمسك!
لكن، ألست ترى أن حلّ هذه المشكلة الأولى، هو نفسه إثارة لمشكلة أخرى؟!
ألست ترى أن السلامة من هذا الداء، هي بعينها مدرجة، ومزلقة إلى واد آخر؟!