وهذه الصورة هي التي يوحي بها النص القرآني: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)} إيماءً مباشراً قريباً!
٤ - دوافع المدرسة العقليّة:
ورابع ما يطالعنا: دوافع المدرسة العقليّة، التي كان الأستاذ الإمام محمد عبده، رحمه الله، على رأسها في تلك الحقبة .. ونحن ندرك ونقدّر دوافع المدرسة العقلية إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيّات في تفسير القرآن الكريم وأحداث التاريخ, ومحاولة ردّها إلى المألوف المكشوف من السنن الكونيّة .. فلقد كانت هذه المدرسة تواجه النزعة الخرافيّة الشائعة التي تسيطر على العقليّة العامة في تلك الفترة، كما تواجه سير الأساطير والإسرائيليّات التي حشيت بها الكتب، في الوقت الذي وصلت فيه الفتنة بالعلم الحديث إلى ذروتها، وموجة الشك في مقولات الدّين إلى قمتها، فقامت هذه المدرسة تحاول أن تردّ إلى الدين اعتباره، على أساس أن كل ما جاء به موافق للعقل، ومن ثم تجتهد في تنقيته من الخرافات والأساطير، كما تحاول أن تنشئ عقليّة دينيّة تفقه السنن الكونيّة، وتدرك ثباتها واطرادها، وترد الحركات الإنسانيّة، كما ترد الحركات الكونيّة في الأجرام والأجسام!
والقرآن يردّ الناس إلى سنن الله الكونيّة، باعتبارها القاعدة الثابتة المنظمة لمفردات الحركات والظواهر المتناثرة!
ولكن مواجهة ضغط الخرافة من جهة، وضغط الفتنة بالعلم من جهة أخرى، تركت آثارها في تلك المدرسة من المبالغة في الاحتياط، والميل إلى جعل مألوف السنن الكونيّة هو القاعدة الكليّة لسنة الله، فشاع في هذا التفسير