كان أبو طالب -واسمه عبد مناف بن عبد المطّلب (١) - عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخو أبيه عبد الله بن عبد المطّلب شقيقه لأبيه وأمّه - وريث مكانة أبيه عبد المطّلب في زعامة بني عبد مناف وهاشم، سادة قريش، القوّامين على خدمة البيت الحرام بمكة!
وكان أبو طالب وصيّ أبيه في كفالة حفيده محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بالقيام على رعايته وحفظه وحمايته، وكانت سنُّ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يوم مات جدّه عبد المطّلب ثماني سنوات، وقد ضمّ أبو طالب ابن أخيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى حضْنِ كفالته، وجعله مع عياله، يحوطه ويحفظه ويحرص على راحته أشدّ الحرص، وقام بكفالته أحسن القيام، وأحبّه حبًّا لم يحبّه أحداً من ولده، وصبّ به صبابةً شديدة، لم يكن يطيق معها أن يفارقه، فكان ملازماً له في غدوّه ورواحه، وحلّه وترحاله، وسفره وإقامته، ونومه ويقظته، وقد ثبت -كما أسلفنا- أنه صحبه في بعض أسفاره للتجارة، وهو غلام يَفَعة، حتى شبّ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في ظلّ هذه الكفالة شاباً رويًّا، ونشأ نشأة عزيزة كريمة حبيبة، واشتدّ ساعده، وبدرت رجولته مبكره، وشارك عمومته وأبناءهم في العمل ليكسب رزقه، وأبو طالب لا يغفل عنه لحظة، يسدّده في عمله، ويوجّهه في سعيه، راعياً، أو تاجراً، أو مقارضاً .. واستوى شباب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في ظلّ هذه الكفالة الموفَّقة رجلاً، ضرباً من الرجال لا تعرفه الجاهليّة في أخلاقها، وعاداتها، ومعارفها، فكان فيهم الأمين الصدوق، الوفيّ، الكريم الودود الألوف .. وكان أبو طالب كثير