العيال، قليل المال، وكان يهوى أن يرى ابن أخيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - يعيش عيشةً سويّةً، لا يشر فيها بضائقات الحياة، وشظف العيش مع عياله!
ولمَّا بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إلى الناس كافّةً، وقف ملأ الشرك والوثنيّة موقف العناد المستكبر، والمكابرة العاتية، والفجور الطاغي، فكذّبوه، وآذوه، وأغروا به ليقتلوه -كما أسلفنا- ووقف عمه أبو طالب يذود عنه، وينصره ويحميه، بكل ما أوتي من وسيلة وقوّة .. جعل نحوه دون نحوه، وحياته فداء لحياته .. في مواقفه الكثيرة.
فلم ينالوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيلاً إلا في غيبة من عمه ونصيره .. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائب النهوض في نشر دعوته إلى الله وتوحيده، لا يصدّه عن سيره شيء، فلا يهاب وعيداً، ولا يرهب زمرجة .. واشتدَّ حقد المشركين، وتعدّدت شكاواهم إلى أبي طالب من ابن أخيه الذي سفّه أحلامهم .. وعاب ديانتهم، فكان أبو طالب يردّهم ردًّا رفيقاً، ويكلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما كلموه في شأنه، فيرى منه عزيمة ماضية، لا يصدّها عن وجهها صادّ ولا يردّها عن مضيتها رادّ، إيماناً منه برسالة نفسه، ووجوب تبليغها إلى الناس، مهما تكن الحوائل والعقبات، فكانت هذه القوّة القاهرة في عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنفص عن كاهل أبي طالب ما يثقله من أعباء الذود عن ابن أخيه في دعوته ورسالته، وتغسل عن قلبه ما يعتريه أمام تألّب قومه عليه، وتجمّعهم ضدّه، فيشتدّ في نصرة رسول الله، ويعلن ذلك في شعره الرصين، لا يبالي في غضبة ملأ الشرك وتهديدهم!