للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاباً، وذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي في كتاب حصص الأتقياء: أن قوله: تلك الغرانيق العلا، من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة، حتى يلقوا بين الضعفاء، وأرقّاء الدّين، ليرتابوا في صحّة الدّين، وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية)!

وذكر غير واحد أنه يلزم على القول بأن الناطق بذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بسبب إلقاء الشيطان الملبّس بالملك أمور - وهي هذه المفاسد:

المفسدة الأولى (١):

تسلّط الشيطان عليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو بالإجماع معصوم من الشيطان؛ ولا سيّما في هذا في أمر من أمور الوحي والتبليغ والاعتقاد، وقد قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)} (الحجر)!

وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)} (النحل)!

قال الكوراني في ردّه على هذا الوجه من المفسدة: إن السلطان المنفيّ عن العباد المخلصين هو الإغواء -أعني التلبيس المخلّ بأمر الدّين، وهو الذي وقع الإجماع على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معصوم منه، وأمّا غير المخلّ فلا دليل على نفيه- قلنا: ولا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول- ولا إجماع على العصمة منه-، قلنا: هذا افتراء، وإلا فأين من خالف؟ وما هنا غير مخلّ لعدم منافاته للتوحيد، بل فيه تأديب وتصفية، وترقية للحبيب الأعظم - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - تمنّى الهُدى للكل، وليس عليه - صلى الله عليه وسلم - حالة الإلقاء


(١) السابق: ١١٠ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>