للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هجرتهم أرفع من أن تكون لمجرد الفرار من الأذى، أو لمجرد الهرب ممّا يلقون من البلاء .. وإنما كانت هجرة قوم آمنوا بالله ربًّا، وبالإِسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً، فأوذوا بما لا طاقة لبشر على احتماله، ولم يجدوا للدفاع عن أنفسهم سبيلاً؛ لأنه لم يؤذن لهم في ردّ الاعتداء بل أُمروا بالصبر والصفح، لا عجزاً ولا ضعفاً، ولكن حكمة تدبير، وسياسة تقدير!

وحسبنا في البرهنة على أن الذين هاجروا إلى الحبشة، أوّلاً، وثانياً، كانوا من أعزّ بيوت العرب وقبائلها -قريش فمن دونها- ليس فيهم ضعيف أو مستضعف، ولا مولى، ولا تبع، والقلة التي لم تكن بهذه المثابة نسباً وعصبيّة، كانت منها حلفاً، وحليف القوم منهم نجدة وحماية!

[سجل المهاجرين]

قال ابن إسحاق (١): وكان أول من خرج من المسلمين من بني أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف (عثمان بن عفان ومعه امرأته رقيّة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

ثم ذكر ابن إسحاق سجلاً مسهباً مفصّلاً بأسماء وأنساب جميع المهاجرين إلى الحبشة، في مرّيتها: الأولى، والثانية، وكانوا سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغاراً أو ولدوا بها ثلاثة وثمانين رجلاً، أكثرهم قرشيّون من طلائع بيوتها وأشراف بطونها!

فهل من المعقول أن يخرج هذا العدد العظيم من الرجال، ذوي الأنفة والحميّة عن بلادهم، وأهليهم وعشائرهم، تاركين ديارهم وأموالهم وأولادهم، لمجرد الفرار والهرب من وجوه المشركين؟


(١) ابن هشام: ١: ٣٩٨ وما بعدها، وانظر سبل الهدى والرشاد: ٢: ٤٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>