للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلو، وسلطانه يمتدّ شمال شبه الجزيرة وجنوبها .. وعندما نزلوا بالمدينة قام الرسول مبتهجاً، وقال فيما يرويه الحاكم بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه قال: لمَّا قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "ما أدري بأيّهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر" (١).

وجعفر وإخوانه مكثوا في الحبشة بضعة عشر عاماً، نزل خلالها قرآن كثير، ودارت معارك شتّى مع الكفار، وتقلّب المسلمون قبل الهجرة النبويّة وبعدها في أطوار متباينة -كما سيأتي-، ولم يمض وقت على أولئك العائدين حتى اندمجوا في معارك القتال مع من سبقوهم، وقد أشركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في مغانم خيبر .. ففي رواية للبخاري عن أبي موسى - رضي الله عنه - من حديث طويل -كما سبق أن أشرنا في تعدّد الروايات .. - قال:

فوافقنا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح خيبر، فأسهم لنا- أو قال: فأعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً، إِلا لمن شهد معه، إِلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم! (٢)

[هجرة مواجهة واختبار]

تلك هي قصة الهجرة إلى الحبشة بإيجاز .. وتلك هي أهم نتائجها .. وهنا نلحظ أنها لم تكن هجرة استقرار لنشر الإِسلام، واتخاذ الحبشة منطلقاً جديداً لدعوة الإِسلام، وإنما كانت هجرة مؤقتة، هجرة إيواء وانتظار، وهجرة اكتشاف وترصّد .. وهجرة امتحان وانتظار .. وهجرة مواجهة بالفكرة .. وهجرة


(١) المستدرك: ٢: ٦٢٤، وقال: صحح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٢) انظر: البخاري: ٥٧ - فرض الخمس (٣١٣٦، ٣٨٧٦، ٤٢٣٠، ٤٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>