الجوع، وليس في يديه شيء يطعمهم به، ويغدو التجار على أبي لهب، فيزكّيهم فيما اشتروا من الطعام واللباس، حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعاً وعرياً!
[كاتبها ماحيها]
ومن عجائب حكمة العلم الحكيم عزّ شأنه أن أحسن القوم بلاءً، في كشف هذه الغمّة، ونقض الصحيفة الظالمة الفاجرة هو أشدّهم لها في بدء أمرها حماسة، كاتبها كما قيل، والأمين على حفظها، كما قيل أيضاً: هشام بن عمرو بن لؤيّ. وأبو عمرو أخو نضلة بن هشام لأمّه، الذي بدّل الله شدّته على المؤمنين رأفة ورحمة، وجفاءه عطفاً، وقطيعته وصلاً، فكان من أوصل القوم للمؤمنين ومن معهم، وكان شريفاً في قومه ذا مروءة ونخوة!
كان -كما يقول ابن إسحاق- يأتي بالبعير ليلاً قد أوقره طعاماً، حتى إذا أقبل به فم الشِّعب خلع خطامه من رأسه، ثم ضرب على جنبه، فيدخل الشِّعب عليهم، ثم يأتي قد أوقره بزًّا، أو برًّا فيفعل به مثل ذلك!
[تحرك العواطف]
قال محمَّد بن سعد: كان هشام بن عمرو العامري أوصل قريش لبني هاشم، حين حُوصروا في الشَّعب، أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعاماً، فعلمت بذلك قريش، فمشوا إِليه حين أصبح فكلّموه في ذلك، فقال: إِني غير عائد لشي خالفكم، فانصرفوا عنه، ثم عاد الثانثة، فأدخل عليهم ليلاً حملاً أو حملين، فغالظته قريش، وهمّت به، فقال أبو سفيان ابن حرب: دعوه رجل وصل أهل رحمه، أما إِني أحلف بالله! لو فعلنا مثل ما فعل كان أحسن بنا!