للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقه، ويصحب هذه الصلة علم ضروري بمصدرها، ويصاحبها ظواهر نفسية وبدنية للمصطفى، ويتبعها آثار توجيهية يعلنها المصطفى للناس!

وقد عبّر ابن خلدون عن هذا المفهوم بقوله:

استغراق في لقاء الملك الروحاني بإدراك الأنبياء المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية، ثم يتنزل إلى المدارك البشرية .. كل ذلك في لحظة واحدة، بل في أقرب من لمح البصر (١)!

يعني ابن خلدون أن الوحي يملك على النبي - صلى الله عليه وسلم - قلبه وقالبه، ويستجمع الشعور كله، ويوجهه نحو هذا اللقاء الفريد بين الإنسان المصطفى، والملك الروحاني. ويكون للنبي في هذه الحال إدراك خاص، ووسيلة معرفة، غير ما ألفه البشر من الحواس والعقل، ثم تحصل مرحلة عبور للوحي من حالته الروحية إلى حالة حسية وعقلية، يدركها المصطفى، ويبلغها للبشر، في صورة أمر، أو نهي، أو خبر .. إلى آخره!

ولعل ابن خلدون يعبر عن نوع مهم وشائع من أنواع الوحي، وهو لقاء الملك، وإلا فالوحي على صور، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)} (الشورى)!

[فالتلقي عن الله تعالى يكون على أنواع]

الأول: {إِلَّا وَحْيًا}، والمقصود هو الإلقاء في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلام خفي يدرك بسرعة، ويعلم على جهة اليقين مصدره الإلهي!


(١) مقدمة ابن خلدون: تحقيق د. علي عبد الواحد وافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>