للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإخوتهم، فإذا بهم يرون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد اجتذب منهم زهرات شبابهم، ومصدر قوّتهم، وعدّة مستقبلهم، فهم عنده ومعه مسلمون، مؤمنون، واعتنقوا عقيدته، عقيدة التوحيد، وهجروا آلهة آبائهم وأسلافهم .. وأصبحوا جند دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكتائب رسالته، ودخلوا معه بشظف العيش، ويبس الحياة وفقرها، بعد الترف والمتعة في بيوتهم بين أهليهم، وفارقوا المال والولد، والإخوة والآباء .. وتبدّلوا بهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .. لا يخالفون عن أمره، يلحظون مواضع إشارته، ويرمقون نظراته، ويتأدّبون بأدبه، يحبّونه أكثر مما يحبّون أنفسهم، لا يتردّدون في تحقيق رغبة من رغباته، ولو كانت فيها حياة أحدهم، فكانوا منه ومعه، بما لم يكونوا به من أمهّاتهم وآبائهم، ومع أولادهم!

وطارت عقول قريش شعاعاً من أدمغتها؛ إذ تمثّلوا هذا في واقعهم، ودارت أفئدتهم في حنايا أضلعهم، وتنفّسوا الصعداء غمًّا وهمًّا وكمداً، وما يغني غمّ الدنيا وهمّها وكمدها شيئاً، فليركبوا رأس الشيطان فجوراً وعتواً، وبغياً وكفراً، وليفكتوا بكل ما يقدرون عليه من فلذات أكابدهم الذين تابعوا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ولتذهب رحمة الأبوّة، وشفقة البنوَّة راغمةً تحت أقدام آلهتهم، لعلها ترضى عنهم!

[إشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة]

وبدأت فوادح البلاء تتوالى على هؤلاء المؤمنين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته .. وشعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ينال أصحابه من شديد الأذى وقواصم البلاء .. وأنهم لن يستطيعوا أن يبلّغوا رسالات ربّهم إذا زجّوا بأنفسهم في مضايقات الإثارات،

<<  <  ج: ص:  >  >>