الحديث عن العصر الجاهلي له جوانب عديدة، وحسبنا أن نبصر معالمه فيما يلي:
[١ - أحط أدوار التاريخ]
كان القرن السادس الميلادي أحط أدوار التاريخ بلا خلاف (١)، وكانت قافلة الحياة جائرة السبيل، حائرة الدليل، خائرة العزيمة، وكانت في الهيكل المنحل للعالم الإنساني عوامل البلى من وثبة توبق الروح، وجاهليّة توثق العقل، وماديّة ترهق الجسد، وكانت الإنسانيّة متدلّية متدنّية منحدرة، منذ قرون، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها، وتمنعها من التردّي، وقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها، وشدّة في إسفافها، فقد نسي الإنسان خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، وقد خفقت دعوة الأنبياء من زمن، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم، وما بقي منها فهو ضئيل لا ينير إلا في بعض القلوب، فضلاً عن البيوت، فضلاً عن البلاد، وأصبحت الصحف والشرائع التي مثلت في أزمان مختلفة دورها الخاص في مجال الدّين والخلق والعلم، فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرّفين والمخرّفين، وعرضة الحوادث الدامية، والخطوب الجسيمة، حتى فقدت روحها وشكلها!
(١) انظر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: أبو الحسن الندوي: ٣٧ وما بعدها، دار القلم، ط. تاسعة ١٣٩٣ هـ - ١٩٧٣ م.