للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاطفة الوالدة، وقد أشرق عليها وجه وليدها وقرة عينها!

وعاطفة الزوجة، فَقَدتْ زوجها الحبيب؛ ولكنها تتمثله وترى وجهه في وجه هذا الوليد الحبيب!

وتغلّبت عاطفة الأمومة الحانية على عاطفة الزوجيّة الودود، وضمت آمنة وليدها إلى صدرها، واختلطت عليها الأحاسيس، واستنار وجهها!

حتى أهلّ على مكة موسم المراضع، فقدم السعديات إليها يطلبن الرُّضّع، وفيهن حليمة فكان الرسول نصيبها، وكانت هي من حظه، وحملته وارتحلت به إلى باديتها، وكان الصدر الذي يضمه ليس صدر آمنة أمّه، ولكن صدر حليمة ظئره، وفرق كبير بين العاطفتين:

عاطفة الأمومة الوالدة!

وعاطفة الأمومة المرضعة!

فحُرم حنان أمه بعد أن مضى القدر فحُرم عطف أبيه!

وذلك لون من اليتم الجديد، قضت به العادات المتوارثة فيما بين العرب، فهو قد حُرم عاطفة الأبوّة المُشفقة، وبُوعد عن عاطفة الأمومة الحانية، ونشأ بعيداً عن بَلده وقومه، وبلده حاضرة البلادَ العربيّة، لها من طبيعة الحواضر ما يَسمُها بوسم اللين والدعة، وقومه أهل شرف وسيادة في بلده، وللشرف والسيادة آثارهما على الأخلاق والتطبّع وتوجيه الغرائز والسلوك!

[انفعال الخواطر]

لقد نشأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بادية بين قوم من العرب عُرفوا بصفاء البيان، وفصاحة اللسان، وقد ضاق عيشهم، وعصفتهم السنون، يعيشون في بادية

<<  <  ج: ص:  >  >>