ضاحية الأديم، تصهرها الشمس إذا أسفرت، وتتلألأ في سماء لياليها النجوم الزواهر، ويضيئها القمر المنير، ويزمجر في أرجائها الرعد، ويلمع في آفاقها البرق، وتَهْدر في وديانها العواصف، وتطبعها الحياة بطابع قاس متقلب، تنتشر على صفحتها هنا وهناك خيام يأوي إليها فئام من الناس إذا هجع الليل، أو هجّر النهار، يسرحون بالبُهم يرتادون لها المراعي وظلال الشجر ومجتمع الأنهار والغُدُر، ومساقط الغيث ومنابت الكلأ، وذلك هو كل ما يشغل أهل هذه البيئة، وفيما سواه فراغ لا يملؤه من العمل كثير ولا قليل، فهي بيئة تدعو إلى التأمل والتفكر، وتقليب النظر في ملكوت الله تعالى ومظاهر الوجود!
ماذا وراء هذا الفضاء الكبير الأفْيَح؟
وما هذه القبّة الزرقاء المتعاظمة في سعة آفاقها؟
وما هذه السابحات المتلألئات في أديمها؟
وما هذا الجرم الفضي الذي يبعث على هذه الأرض بأنواره المظلة بنسائم الأسحار؟
وما هذا اللهب المنبعث مع خيوط الضياء الوهاج، من الجرم النهاري السابح في آفاق السماء؟
وما الذي يمسك ذلك ويديره على هذا النظام المحكم البديع؟
وما هذا الصوت الهائل المزعج الذي يصحب دائماً الغيث مبشّراً أو نذيراً؟
وما هذا الضوء الخاطف بلمعانه في أطراف السماء؟
وما هذه العواصف المزمجرة؟ وما الذي يهيجها ويحرّكها؟
وما هذه النباتات والأشجار في أشكالها وألوانها وروائحها وطعومها؟ من أين جاءت، وكيف نبتت؟