ثالثها: إن كان محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يريد بما جاء به ملكاً ملكوه عليهم، وجعلوا على مغرفه تاج الملك، وبايعوه ملكاً على سائر قريش ومن ورائها جميع العرب الذين يدينون بتعظيم قريش التي جعلوا إلى بيتها بيت أبويهما إبراهيم وإسماعيل حجهم وأكبر مواسمهم!
رابعها: إن كان هذا الذي يأتي محمداً رئياً وتابعاً من الجن، تسلّط على مشاعره، فلا يستطيع ردّه عنه، وغلب عليه، فلا يستطيع مقاومته، والانفكاك عنه بذلوا في طلب الطب له من أموالهم حتى يبرأ منه!
أفلهذه الأدمغة التي نخرها سوس الوثنيَّة البليدة المتهافتة، فأفسدها حسًّا ومعنى، فلم يبق في تلافيف خلاياها ذرة من تعقّل وتفكير يستقيم! يا ويح قريش من عقلائها؟ أهذا كل ما تمخضت عنه عقليَّة عتبة، عاقل قريش؛ لينهي به أزمتها مع محمَّد - صلى الله عليه وسلم -! ومرة أخرى أفلهذه الجماجم النخرة التي تحملها رقاب عريضة الأقفية، ما هذا يا أبا الوليد؟ وأنت من أقرب قريش نسباً إلى محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأعرف الناس بمدخله ومخرجه!
[١٧ - السمو الروحي]
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - رسول رب العالمين إلى البشريَّة كلها، أمره الله تعالى أن ينذر أول من ينذر عشيرته الأقربين -كما أسلفنا- فدعاهم وأبلغهم رسالة ربّه أكمل وأرفق ما يكون التبليغ، ولم يسألهم أموالهم، وما سألهم إلا المودة في القربى، وما كان محمَّد قط في حاجة إلى شرف فوق شرفه في قومه وبيته، وقريش كلها تعرف له هذا الفضل، وتذعن به لبيته ونبعته! ولم يعرف عنه قط أنه تطلع إلى ملك الدنيا، فلم يحفظوا عنه قط أنه طلب إليهم أن يجعلوه ملكاً على بلدهم!