تمنّي هدي الكل المصادم للقدر المنافي لما هو الأكمل، ليترقّى إلى الأكمل، وقد حصل ذلك بهذه المرّة، ولذا لم يقع التلبيس مرّة أخرى، بل يُرسَل بعد من بين يديه ومن خلفه رصداً .. إلخ.
قال الشيخ عرجون: وقد قدّمنا بعض القول في مناقشة هذه المفسدة، وها نحن أولاً، نسوق ما ساقه الألوسي في ردّ هذه المفسدة، مع ما يسنح الفكر، فنضيفه إلى كلامه!
قال العلامة الآلوسي في نقض اعتراض الكوراني على المفسدة الأولى (١): إن التلبيس بحيث يشتبه الأمر على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيعتقد أن الشيطان ملَك مخل بمقام النبوّة ونقص فيه، فإن الوليّ الذي دونه - صلى الله عليه وسلم - بمراتب، لا يكاد يخفى عليه الطائع من العاصي، فيدرك نور الطاعة وظلمة المعصية، فكيف بمن هو سيّد الأنام، ونور عيون قلوب الأولياء، يلتبس عليه من هو محض نور بمن هو محض ديجور .. ولذلك قال المحقّقون: إن الأنبياء عليهم السلام ليس لهم خاطر شيطاني، وكون ذلك ليس منه، بل كان مجرّد إلقاء على اللسان دون القلب ممنوع - وإلا فما دليله؟ ألا ترى أنه قال:{أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}! دون ألقى الشيطان على لسانه، وتسمية القراءة أمنية، لا أن القارئ يقدر الحروف في قلبه أوّلاً، ثم يذكرها شيئاً فشيئاً، وأيضاً حفظه لذلك - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أمسى كما جاء في بعض الروايات، فنبّهه جبريل عليهما السلام، يبعد كون الإلقاء على اللسان فقط، على أنّا لو سلّمنا ذلك وقلنا: إن الشيطان ألقى على لسانه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يلق في قلبه، كما هو شأن الوحي المشار إليه بقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)} (الشعراء)!