هذه المزاوجة بين الطبيعة البشريّة والطبيعة الروحانيّة خصيصة النبوّة الخاتمة، والرسالة الخالدة، رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم-، فلا تحجب قوّة الإشراق الروحاني عنده منافذ الحسّ البشري من شخصيّته، بل يبقى لكل طبيعة خصائصها عند التبليغ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المزاوجة بين الطبيعتين بشريّ المظهر، ملائكيّ المخبر، فهو مع الناس ببشريّته الكاملة، وهو مع الملأ الأعلى بروحانيّته الكاملة!
وهذه الطبيعة الروحانيّة مع أنها تذيب خصائص البشريّة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتغلِّب عليها الخصائص الروحانيّة كاملة التجلّي الباطني، والإدراك العقلي، والإشراق الروحي -لا تفقد بها بشريّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عناصر الإدراك الحسّي، والإحساس الشعوري، ولا تتأثّر منافذ التصوّر بها؛ بل إن هذه المنافذ تكتسب قوة تكون بها في أكمل حالات التنبّه، وأعلى مراتب الوعي -كما سبق في الحديث:
"أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثّل لي الملك رجلًا فيكلّمني فأعي ما يقول"!
قالت عائشة -رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عرقًا!
وهذه الحالة التي تمثّلها الطبيعة الروحانيّة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أشبه في صورتها العكسيّة بحالة الملك، حين يتمثّل رجلًا، فيكلّم النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما يكلّم الرجل الرجل، فيعي عنه ما يقول!