واستقامت على سننه هدايتها، وقامت على دعائمه موازينها، واستنارت بنوره مسالكها، متدرّجة في مراحل نموّها الحضاري والفكري!
هذه الطبيعة الروحانيّة هي التي تلقّى ويتلقّى بها (محمَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) عن الله تعالى ما يلقيه إليه الملك في وحي اليقظة والمواجهة، وهو - صلى الله عليه وسلم - على أكمل مراتب إحساساته، وأتمّ درجات شعوره ويقظة مشاعره، وأعلى إدراكات عقله، وأضوأ إشراقات روحه، وأقرب منازل قربه!
وبهذه الطبيعة الروحانيّة كان يَلْقَى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمين الوحي جبريل -عليه السلام- في صور وتشكلات ملائكيّة مختلفة المظهر -كما أسلفنا- تجلّ عن مدارك العقول؛ فلا يُستطاع تحديدها بصورة معيّنة، أو بشكل خاص، يلتزمها في جميع لقاءاته بالرسول - صلى الله عليه وسلم -!
ويهذه الطبيعة كان - صلى الله عليه وسلم - يتقبّل ما يُلقى إليه من ضروب الوحي في رسالته، ليبلّغه إلى الناس هدايةً ورحمةً، ونورًا وبرًا، وعدلًا ومحبّة، وإخاءً ومساواةً وإيثارًا ومواساةً!
وهذه الطبيعة الروحانيّة باستعلائها على الطبيعة البشريّة تُذيب خصائص البشريّة الماديّة عند الرسول - صلى الله عليه وسلم -، اتقاء لاستحواذها عليه، وتغلّب الخصائص الروحانيّة لتكون كاملة التجلّي الباطن، مشرقة الشفافية، ليتحقّق بها التناسب بين طبيعة الملك التي يلقاه عليها الروح الأمين في أكثر حالات وحي اليقظة، وبين طبيعة البشر التي تبقى للنبي -صلى الله عليه وسلم- مظاهرها كاملة في تلقي وحي المشافهة، إبقاء على مرتبة التناسب البشري في التبليغ!