ثم ذكرت الآيتان: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣)} أن هذا الطاغية الفاجر في كفره لم يكن طغيانه وفجوره عن مظاهر في حياته تدعوه إليهما، وإنما كان فجوره وطغيانه عن نفس خبيثة مولودة معه تكفر الإنعام، وتنكر الإحسان، فهو قد أحسن الله إليه إحساناً غامراً، وأنعم عليه إنعاماً فائضاً، فجعل له مالاً ممدوداً، لا ينقطع، عم أصناف المال، وطمّ أرجاء الحياة، وكثر وغمر، ورزقه بنين كثيرين، يحتفون به، فلا يفارقونه لحاجة، فهم أغنياء بثراء أبيهم، وهو مأنوس بهم، فرح بوجودهم حوله، مستقرّ الرضا برؤيتهم!
[٣١ - معالم الفجور]
وفي تخصيص الإنعام عليه بالبنين نكتة لطيفة بالنسبة لهذا الطاغية وبيئته ومجتمعه، وما كان معروفاً مشهوراً لدى قومه من كراهية إنجاب البنات، وحبّ إنجاب البنين، فكان حريًّا في شرعة الإنصاف أن يكون شكاراً بنعمة الله عليه، ولكنه لخبث نفسه وسوء نحيزته بدّل نعمة الله كفراً، وأحلّ نفسه وقومه دار البوار، فاستكبر وتجبر، وطغى بنعمة الله وفجر، وناهض الحق، وقاوم دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد أفادت أن الله تعالى بسط له الجاه العريض، ومدّ له المال الكثير، ووطد له الرياسة في قومه، وأطال عمره فيهم، وأعلى كلمته عندهم، فأتمّ عليه نعم المال والجاه والولد، وهذا هو الكمال عند أهل الدنيا، ولا سيما الماديّون الوثنيون! ثم جاءت الآية التالية. {ثُمَ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد (١٥)} (المدثر).
تقرّر أن هذا الطاغية العنيد -مع هذا السوء الذي أثقل طبيعة حياته- شره النفس، جموعٌ للدنيا، منوع لا ينفقها في خير قط، طموع فهو لا يشبع، لا يكاد