وقول الكوراني فيما ذكره البيضاوي عليه الرحمة: ليس بشيء، هو ليس بشيء؛ لأن منع الاحتمال عند الفرق الأربع بعد القول بجواز التلبيس مكابرة، والآية التي ادّعى دلالتها على انتفاء الاحتمالين عند الفريقين بعد النسخ والإحكام فيها ذلك الاحتمال، والحقّ أنه لا يكاد يفتح باب قبول الشرائع ما لم يسدّ هذا الباب، ولا يجدي نفعاً كون الحكمة المشار إليه بقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢)} (الحج)! آبية عن بقاء التلبيس، فلا أقلّ من أن يتوقّف قبول معظم ما يجيء به النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يتبيّن كونه ليس داخلاً في باب التلبيس، مع أنا نرى الصحابة رضي الله عنهم يسارعون إلى امتثال الأوامر عند إخباره - صلى الله عليه وسلم - إيّاهم بوحي الله تعالى إليه بها من غير انتظار ما يجيء بعد ذلك فيها، مما يحقّق أنها ليست عن تلبيس!
ثم قال العلاّمة المفسّر شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، معقّباً على ما ساقه من (أخبار هذه الأقصوصة الغرنوقيّة): وتوسّط جمع في أمر هذه القصّة، فلم يثبتوها كما أثبتها الكورانيّ كافأة الله بما يستحق من أنه - صلى الله عليه وسلم - نطق بما نطق محمداً للتلبيس أنه وحي، حاملاً له على خلاف ظاهره- مختلقاً ما يجافي الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ادّعائه أن هذا التلبيس كان لـ (تأديب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سيّد الكَمَلة من الأنبياء والمرسلين الذي خصّه ربّه بأعظم الثناء، وبارع المدحة، فقال له يخاطبه مواجهةً: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} (القلم)! ولم ينفوها بالكليّة كما نفاها أجلّة أثبات، قال الآلوسي: وإلى النفي كلية أميل، بل أثبتوها على وجه غير الوجه -الجافي المنتفج- الذي أثبته الكوراني، واختلفوا في إثباتهم للقصّة على الوجه المغاير لإثبات الكوراني، على أوجه من التأويل، وكلها أوجه مما لا ينبغي عندي أن يلتفت إليها!