الأجيال، جيلاً إثر جيل، وبلغت دعوة إبراهيم العامة مداها في الانتشار، وتكاثر ولد إسماعيل، حتى كانوا غمرة العرب وجمهرتهم، وسادوا وتسيّدوا، وتشعبوا وتفرعوا، ملؤوا السهل والجبل، ونزلوا الوديان، وتسنموا المكانة الرفيعة!
بيد أنهم إذ كثر عددهم، نسوا دعوة أبيهم إبراهيم - عليه السلام - وهم في غمرة الحياة الجاهلة، وجهلوا منها الحقيقة الكبرى, حقيقة التوحيد، وأوغلوا في وثنيّة بليدة، وكانت الوثنيّة الأولى يضاهئون بها وثنيّة فجور من قبلهم في أمم الفلسفة الضالة!
[٢ - دعوة إبراهيم عليه السلام]
وثاني ما يطالعنا: دعوة إبراهيم عليه السلام، فقد تنفّس الغيب، وبدت إشراقة الفجر الجديد، ترسل أشعتها من أفق (الربوة الحمراء) وتعالى صوت الحق في ترنيمة الرسالة العظمى، رسالة التوحيد والعلم والطُّهر، علم الكتاب والحكمة، لا علم الهلوسة والفلسفة الضالة .. ورتّل القدر مرة أخرى ضراعة أخرى للخليل في دعوته الخاصة، بعد أن حقق الله له دعوته العامة، وكانت هذه الدعوة الخاصة هي ميراث الحياة في خُلّة الخليل، والعنوان المشرق في ملّته الحنيفيّة، والكلمة الباقية من نبوته ورسالته، وجاءت هذه الدعوة متوافقة تمام التوافق مع نَفَس الغيب في إشراقة الفجر، وكان الإلهام سر الوجود في ضراعة خاصة، يطلب فيها إظهار مكنون الغيب حين يحين الحين: