وبحق ما سمّيت سورة الإسراء سورة بني إسرائيل؛ فإنها أحق بهذه التسمية وأجدر؛ لأنها لم تتحدّث عن الإسراء إلا بمقدار ما بشرف بصيرورة الكعبة والهيكل للمسلمين حرماً ومسجداً، ثم اتصل الحديث ببني إسرائيل وخطبهم مع المسلمين بعد ذلك فقال:
فإذا لاحظنا أن الله عَزَّ وَجَلَّ لم يخبر عن بني إسرائيل في سورة مكيّة إلا بمقدار ما تساق العبرة من مواقفهم من موسى وصاياه، وموقفهم من فرعون وجنوده، وأخبر عنهم في السور المدنية كثيراً، فسجّل لهم ضروباً من الفساد والإفساد، فأخبر عن نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف، وأخبر عن ظلمهم وصدهم عن سبيل الله كثيراً، وأخذهم الربا وقد نُهُوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأخبر عن اعتدائهم في السبت، وحذرهم الموت، وسكوتهم عن المنكر، واشتراءهم بآيات الله ثمناً قليلاً، وأخبر عن إخراجهم فريقاً من ديارهم، وقولهم ليس علينا في الأميّين سبيل ... إلخ!
{لَتُفْسِدُنَّ في الأَرضِ مَرَّتَينِ}:
فإذا لاحظنا هُنا أن الله ينصّ على أنه قضى أنهم يفسدون في الأرض مرّتين، فإذا جاء وعد أولاهما كان كذا، وإذا جاء وعد الآخرة كان كذا ... دلّ على أن المرّتين غير ما سبق أن سجّل لهما، وأنهما يقعان في المستقبل، بالنسبة