للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسلمين المضطهدين: بمكّة، المستضعفين في الأرض، بأن أمرهم سيمتدَّ ويعلو وشيكاً، حتى تدين لهم عاصمة الشرك، وعاصمة أهل الكتاب، فهو سبحانه يقول:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)} (الإسراء)!

لم يقل من مكّة إلى بيت المقدس، كما هو الحال؛ إذ الكعبة يومئذ لم تكن مسجداً، وإنّما كانت بيتاً تقوم حوله الأصنام، ويطوف به العائذون والمشركون، ولم يكن هيكل دولة داود وسليمان في دولة يهوذا وإسرائيل مسجداً، وإنما كان بيتاً يأكل بنو إسرائيل من حوله السحت، ويعيثون الفساد!

ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ أخبر عن هذا الإسراء بأنه انتقال من مسجد إلى مسجد، تبشيراً للمسلمين بأن أمرهم سيعلو ويتم، بحيث يصبح البلد الذي استضعفوا فيه وهانوا، وحلّت حرماتهم فيه مسجداً حراماً ودار أمن وإسلام .. ليس هذا فحسب، بل سيمتد نفوذه وضياؤه، بحيث يصل عاصمة أهل الكتاب، ويصبح هيكل داود وسليمان لهم مسجداً أقصى كذلك، فهم أولى له: {إِن أَولِيَاؤهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (الأنفال: ٣٤)!

وهنا يتضح الجواب، ويظهر وجه المناسبة بين قوله تعالى:

{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} وبين آية الإسراء الأولى!

فقد اتصل الحديث، وإن انتقل الكلام من الإنباء بمصير الهيكل إلى الإنباء عن مصير أهله!

<<  <  ج: ص:  >  >>