الثاني: أن المرّة الأولى كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والآخرة هي التي نحن فيها الآن، والتي سنسوء فيها وجوههم، وندخل المسجد كما دخلناه ... إن شاء الله رب العالمين!
وأبادر فأطمئن الذين قد يهولهم هذا التخريج، فيرونه مخالفاً للمأثور أو المعروف من أقوال المفسّرين، إلى أنه لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء وإلى أن المأثور عن بعض الصحابة مضطرب لا تقوم به حجّة، وإلى أن الأمر لا يعدو أن يكون تاريخاً أو تأويلاً!
لا يقال في مخالفته إنه تحريف للكلم عن مواضعه!
وأعود لأثبت الأمر الأوّل فأقول:
الحديث عن الإسراء تبشير وإنباء بمستقبل .. والثابت أن الإسراء وقع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكّة قبل الهجرة، فإن سورة الإسراء أنزلت كذلك، فهي مكيّة، إلا آيات معلومات، وقد كان المسلمون يومئذ بمكّة مستضعفين في الأرض، يخافون أن يتخطّفهم الناس، فلم يكن لبني إسرائيل يومئذ صلة ولا بشأن مع المسلمين، ولم يكن لهم أثر بمكّة، ولا خطر يقتضي أن يتحدّث القرآن عنهم في سورة مكيّة بمثل هذا التفصيل!
فما السرُّ في أن يخبر الله عند إسرائه برسوله - صلى الله عليه وسلم - في آية واحدة أول السورة، ينقطع بعدها الحديث عن الإسراء جملة إلى آخرها، ويبدأ الحديث عن بني إسرائيل وما أنعم عليهم وعهد إليهم، وعن دور خطير يكون لهم؟!
وما وجه المناسبة بين هذه الآيات والأحداث؟!
السرُّ في ذلك أن الله عَزَّ وَجَلَّ يخبر عن الإسراء بمقدار ما يبشر به نبيّه،