للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - السخرية والاستهزاء]

وتطالعنا السخرية والاستهزاء من هؤلاء الذين كانوا يسمعون آيات الله تتلى -كما سبق أن عرفنا (١) - يزعمون أن في مقدورهم أن يأتوا بمثلها لو شاءوا، مع وصف هذا القرآن الكريم بأنه أساطير الأولين: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إلَّا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (٣١)} (الأنفال)!

وذكر ابن كثير أن القائل هو النضر بن الحارث، لعنه الله (٢)، كما قد نصّ على ذلك سعيد بن جبير، والسدي، وابن جريج، وغيرهم، فإنه لعنه الله كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلّم من أخبار ملوكهم (رستم) و (اسفنديار)، ولما قدم وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه الله، وهو يتلو على الناس القرآن، فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من مجلس جلس فيه النضر، فحدّثهم من أخبار أولئك، ثم يقول: بالله! أيّنا أحسن قصصاً، أنا أو محمد؟

ولهذا لمَّا أمكن الله تعالى منه يوم بدر، ووقع في الأسارى، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضرب رقبته صبرًا بين يديه، ففعل ذلك، ولله الحمد!

وكان الذي أسره -كما سيأتي- المقداد بن الأسود رضي الله عنه!

وتكررت في القرآن الكريم حكايته قول المشركين عن القرآن: إنه أساطير الأولين!

وما كان هذا القول إلا حلقة من سلسلة المناورات التي كانوا يحاولون أن


(١) وانظر أيضاً: ابن هشام: ١: ٣٨٩ وما بعدها، والبيهقي: "الدلائل": ٢: ٧٠٦٢٠٧، وسبل الهدى والرشاد: ٢: ٤٧٠.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢: ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>