للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حوارها معه ومكالمتها إياه، أن تجد عنده هوادةً في عزيمة القيام بأمر دعوته، وصلابته في تبليغ رسالته، كما يئست أن تجد لها منفذاً فيما عرضته عليه من مظاهر دنياها في شتّى أشكالها، وأبلغ ما تطمح إليه النفوس (الترابيّة) من صورها وأشكالها وألوانها!

فأعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنها متسامياً في عبوديته ربّه، مترفّعاً برسالته عن دناءات دنيا المادية الوثنيّة من مال وثراء، وكنوز، وجنات وعيون، وزخرف وزينة، ومتاع مادي وسيادة، وملك وسلطان، وأبى عليهم إلا أن يقولوا كلمة واحدة (لا إِله إِلا الله)، فإذا قالوها ملكوا بها الدنيا من أطرافها، والحياة من أقطارها شرفاً حقيقيًّا، وسؤددًا وملكاً مؤثّلاً!

[٢٤ - الصبر الجميل]

وقد قابل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سفه قريش وإيذاءها بأجمل الصبر، وأعلى مراتب العفو والغفران، والإعراض عن المجازاة، والصفح عن الإساءات مع المحاسنة والمصابرة!

ويطالعنا ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير (١)، قال: سألت عبد الله ابن عمرو عن أشدّ ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: رأيت عقبة ابن أبي معيط جاء إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يُصلّي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} (غافر: ٢٨).


(١) البخاري: ٦٢ - فضائل الصحابة (٣٦٧٨)، وانظر (٣٨٥٦، ٤٨١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>