وهكذا وجد أبطال هذه المدرسة الجديدة، في اتباع المذهب الذاتي في كتابة التاريخ, الميدان الفسيح الذي يمكنهم من نبذ كل ما لا يعجبهم من حقائق السيرة النبويّة، مهما جاءت مدعمة بدلائل العلم واليقين، متخذين من ميولهم النفسيّة، ورغباتهم الشخصيّة، وأهدافهم البعيدة، حاكماً مطلقاً على حقائق التاريخ, وتحليل ما وراءه من العوامل، وحكماً مطلقاً لقبول ما ينبغي قبوله، ورفض ما يجب رفضه (١)!
وآخر المضحكات العجيبة التي جاءت عن هذا الطريق، تصير النبوة في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإيمان الصحابة -رضي الله عنهم- وعموم الفتح الإسلامي، بأن جميعه لم يكن إلا ثورة يسار ضد يمين، أثارتها النوازع الاقتصاديّة، انتجاعاً للرزق، وطلباً للتوسع، وألهبتها ردود الفعل لدى الفقراء ضد الأغنياء وأصحاب الإقطاع!
كانت هذه الطريقة في دراسة السيرة خصوصاً، والتاريخ الإسلامي عموماً، مكيدة خطيرة عشيت عن رؤيتها أعين البسطاء من بعض المسلمين، وصادفت هوى وقبولاً عند طائفة أخرى من المنافقين وأصحاب الأهواء!
لقد غاب عن أعين أولئك البسطاء، أن ذلك الهمس الاستعماري الذي يدعو المسلمين إلى ما أسموه بثورة إصلاحية في شؤون العقيدة الإسلاميّة، إنما استهدف في الحقيقة نسف هذه العقيدة من جذورها!
وغاب عنهم أن تفريغ الإسلام من حقائقه الغيبية إنما يعني حشوه بمنجزات ناسفة، تحيله أثراً بعد عين؛ ذلك لأن الوحي الإلهي -وهو ينبوع الإسلام
(١) فقه السيرة: الدكتور البوطي: ٢٦ وما بعدها بتصرف.