ومصدره- يعدّ قمة الخوارق والحقائق الغيبيّة كلها, ولا ريب أن الذي يسرع إلى رفض ما جاء في السنّة النبويّة من خوارق العادات، بحجة اختلافها عن مقتضى سنن الطبيعة ومدارك العلم الحديث، يكون أسرع إلى رفض الوحي الإلهي كله بما يتبعه ويتضمنه من إخباراته عن النشور والحساب، والجنة أو النار، بالحجّة الطبيعيّة ذاتها!
كما غاب عنهم أن الدين الصالح في ذاته لا يحتاج في عصر ما إلى مصلح يتدارك شأنه، أو إصلاح يغيّر من جوهره!
غاب عن هؤلاء الناس لعذا كله، مع أن إدراكهم له كان من أبسط مقتضيات العلم، لو كانوا يتمتّعون بحقيقته، وينسجمون مع منطقيّته، ولكن عيونهم غشيت في غمرة انبهارها بالنهضة الأوروبيّة الحديثة، وما قد حف بها من شعارات العلم وألفاظه، فلم تبصر من حقائق المنطق والعلم إلا عناوينها وشعاراتها، وقد كانوا في أمس الحاجة إلى فهم كامل لما وراء تلك العناوين، وإلى هضم صحيح لمضمون تلك الشعارات، فلم يعد يستأثر بتفكيرهم إلا خيال نهضة (إصلاحية) تطوّر العقيدة الإسلاميّة هنا، كما تطوّرت العقيدة النصرانية هناك!
وهكذا، فقد كان عماد هذه المدرسة الحديثة هياجاً في النفس، أكثر من أن يكون حقيقة علميّة مدروسة استحوذت على العقل!
والحقيقة أن الاهتمام بهذه المدرسة في كتابة السيرة وفهمها، والحماسة التي ظهرت يوماً ما لدى البعض في الأخذ بها إنما كان منعطفاً تاريخيًّا .. ومرّ!
وعذر أولئك الذين كتب عليهم أن يمرّوا بذلك المنعطف أو يمرّ هو بهم، أنهم كانوا -كما أسلفنا- يفتحون أعينهم إذ ذاك على خبر النهضة العلميّة في