للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٨ - إذاعة الإرجاف]

وقد استنفد المشركون معهم كل لون من ألوان العذاب، فلم يصرفهم ذلك عن دينهم وعقيدتهم، كما استنفدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل عتوّ فاجر، وكل حيلة وتهاون، وكل ترغيب وترهيب، فلم يقعده ذلك عن المضيّ قدماً في نشر دعوته، وتبليغ رسالته، حتى استيأس الطغاة البغاة العتاة من عزيمته أن تقف دون غايته، فعمدوا إلى تعويق سير الرسالة بنشر الإشاعات الكاذبة، والإرجاف الخبيث، يذيعونه في وفود القبائل العربيّة الوافدة على مكة لحضور الموسم، ولكن الله تعالى كان لهم بالرصاد، فجعل من تدبير شرورهم وإفسادهم خيراً وإصلاحاً، وعادت الوفود إلى قبائلها وبطونها، وعشائرها في منازلهم ومواطنهم، ومعهم ذكر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يدعو إليه من الخير والهدى، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وإقامة موازين العدل، وإخلاص العبادة لله تعالى وحده!

وسرى مع ذلك الحديث عناد قريش وطغيانها إلى الآذان في المواسم والمحافل التي تجمع مجموع الخطباء والشعراء والتجار المتحنفين، وتسرّبت إليهم الأنباء عن هدْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمته، ومقابلة الأذى بالعفو والصفح الجميل!

وسدّت قريش بطغيانها على نفسها منافذ الإيمان وتقبّل الحق، وعتت عن أمر ربَّها ورسالته، وبغت في الأرض بغير الحق، فلم يبق لديها مسرب للاهتداء، وهنا نقر: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠)}! (يس).

<<  <  ج: ص:  >  >>