وقد كانت أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وزيرة صدق للنبي - صلى الله عليه وسلم -، على دعوته، تواسيه وتخفّف عنه مواجع ما يلقى من الناس، فيسكن إليها، وتطمئن نفسه إلى مواساتها، ويستعيد نشاطه بما تصبه في قلبه من حنان الزوجة التي تقدر حياة هذا الزوج الأكرم قدرها، وتعرف له مكانته في حمله أعظم أمانة حملها كاهل بشر في الحياة، وقد شهدت منه مشرق رسالته ما لم يشهده غيرها من الناس، فآمنت به وصدّقته رسولاً أميناً لله تعالى -كما أسلفنا- يتلقّى وحيه، ويبلّغ رسالته، فيلقى من البلاء ما تنوء تحت ثقله ثوابت الرواسي، فتنفّس عنه وتشجّعه وتعينه على الصبر، وتفتح له باب الأمل، وتمسح عن صدره ضائقات الصدور، وتعيد إليه البسمة الحانية، وتهمس له بلواطف العواطف، فينهض من عندها وهو أكمل الناس يقيناً، وأرضاهم نفسها، وأرهفهم حسًّا، وأقواهم عزيمة، وأصدقهم صبراً، وأرسخهم إيماناً برسالته، وأعرفهم بموجبات حمل هذه الرسالة وأرضاهم بتحمّل أثقالها!
وقد قضت أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها في كنف رسول الله أشقّ مراحل الدعوة، فكانت حياتها معه أوفى حياة زوجة لزوجها، وأبرّ حياة شريكة لشريكها، كانت تشاركه مباهجه ومسرّاته، وتهيّئ له أسباب تفرّغه لعبادة ربّه، تخدمه في بيته بقلبها وعقلها وروحها وبدنها، وتردّ عنه عاديات الحياة بين قومه، حتى إذا جاءته النبوّة بطلائعها ووحيها كانت أوّل من آمن به