والمصابرة (وهي مفاعلة من الصبر) مصابرة هذه المشاعر كلها، ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يفلّوا من صبر المؤمنين .. مصابرتها ومصابرتهم، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة، بل يظلّون أصبر على أعدائهم وأقوى: أعدائهم من كوامن الصدور، وأعدائهم من شرار الناس سواء .. فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر، والدفع بالدفع. والجهد بالجهد، والإصرار بالإصرار، ثم تكون لهم عاقبة الشوط أن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء .. وإذا كان الباطل يصرّ ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشدّ إصراراً وأعظم صبراً على المضيّ في الطريق!
والمرابطة .. الإقامة في مواقع الجهاد، وفي الثغور المعرّضة لهجوم الأعداء .. وقد كانت الجماعة المسلمة لا تغفل عيونها أبداً، ولا تستسلم للرّقاد! فما هادنها أعداؤها قطّ، منذ أن نوديت لحمل أعباء الدعوة، والتعرّض بها للناس، وما يهادنها أعداؤها قطّ في أيّ زمان أو في أيّ مكان، وما تستغني عن المرابطة للجهاد، حيثما كانت إلى آخر الزمان!
إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي .. منهج يتحكّم في ضمائرهم، كما يتحكّم في أموالهم، كما يتحكّم في نظام حياتهم ومعايشهم .. منهج خير عادل مستقيم .. ولكن الشرّ لا يستريح للمنهج الخيّر العادل المستقيم، والباطل لا يحبّ الخير والعدل والاستقامة .. والطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة .. ومن ثم ينهد لهذه الدعوة من أصحاب الشرّ والباطل والطغيان .. ينهد لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلّوا عن الاستنفاع والاستغلال .. وينهد لحربها الطغاة البغاة العتاة