للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل تجدون فيها ما يدل من قريب أو بعيد على أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - نزل عن ذروة الكمال العقلي، والآداب الاجتماعيّة التي عرفتها البشريّة منذ كانت للكَمَلة من المصطفين لرسالات الله تعالى؟!

ولكنه - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله نذيراً بين يدي عذاب شديد لمن أعرض عن النظر في آيات الله، ولم يؤمن بربه، وهو يرى ما بثه في الكون من دلائل وحدانيته، وقهر قدرته، وبالغ حكمته!

يقول الفخر الرازي (١): كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الوحي تغشاه حالة عجيبة، فيتغيّر وجهه، ويصفرّ لونه، وتعرض له حالة شبيهة بالغشي، فالجهّال كانوا يقولون: إنه جنون، فالله تعالى بيّن في هذه الآية أنه ليس به نوع من أنواع الجنون، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوهم إلى الله، ويقيم الدلائل القاطعة، والبينات الباهرة، بألفاظ فصيحة بلغت في الفصاحة إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضتها، وكان حسن الخلق، طيب العشرة، مرضي الطريقة، نقي السيرة، مواظباً على أعمال حسنة صار بسببها قدوة لعقلاء العالمين، ومن المعلوم بالضرورة أن مثل هذا الإنسان لا يمكن وصفه بالجنون، وإذا ثبت هذا ظهر أن اجتهاده على الدعوة إلى الدين إنما كان لأنه نذير مبين، أرسله رب العالمين لترهيب الكافرين وترغيب المؤمنين!

ومن لطائف القرآن الكريم هنا أنه ذكر محمداً - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام بعنوان (الصحبة) ليذكرهم بأنهم أعرف الناس به، وأنه لم يفارقهم، ولم يفارقوه، بل صحبهم وصحبوه، ولازمهم ولازموه، فهل عرفوا عنه طول حياته بينهم شيئاً يخدش إدراكاته العقليّة وإحساساته ومشاعره الإنسانيّة؟!


(١) تفسير الفخر الرازي: ٨: ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>