للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتطهير قلوبهم، وامتحان صبرهم على الحق الذي هم عليه أمناء، فإذا اختاروا الامتحان بقوّة كفّ الله عنهم الابتلاء، وكفّ عنهم هؤلاء الأعداء، وعجز هؤلاء الأعداء أن يمدّوا إليهم أيديهم بالأذى وراء ما قدّر الله، وآب أعداء الله بالضعف والخذلان، وبأوزارهم كاملة، يحملونها على ظهورهم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}!

ويخلص لنا ثالثاً: أن من حكمة الله الخالصة أن يترك لشياطن الإنس والجن أن يتشيطنوا -فهو إنما يبتليهم في القدر الذي تركه لهم من الاختيار والقدرة- وأن يدعهم يؤذون أولياءه فترةً من الزمان فهو إنما يبتلي أولياءه كذلك لينظروا: أيصبرون؟ أيثبتون على ما معهم من الحق، بينما الباطل ينتفش عليهم ويستطيل؟ أيخلصون من حظ أنفسهم في أنفسهم، ويبيعونها بيعة واحدة لله، على السراء وعلى الضرّاء سواء، وفي المنشط والمكره؟ وإلا فقد كان الله قادراً على ألا يكون شيء من هذا الذي كان!

ويخلص لنا رابعاً: هَوَان الشياطن من الإنس والجنّ، وهَوَانُ كيدهم وأذاهم، فما يستطيعون بقوّة ذاتيّة لهم، وما يملكون أن يتجاوزوا ما أذن الله به على أيديهم ... والمؤمن الذي يعلم أن ربّه هو الذي يقدر، وهو الذي يأذن، خليق أن يستهين بأعدائه من الشياطين، مهما تبلغ قوّتهمِ الظاهرة، وسلطانهم المدَّعى .. ومن هنا هذا التوجيه العلوي: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)}!

دعهم وافتراءهم، فأنا من ورائهم قادر على أخذهم، مدّخر لهم جزاءهم!

وهناك حكمة أخرى غير ابتلاء الشياطين، وابتلاء المؤمنين .. لقد قدّر الله أن يكون هذا العداء، وأن يكون هذا الإيحاء وأن يكون هذا الغرور بالقول

<<  <  ج: ص:  >  >>